مكتب كاهن الرعية

رسالة راعي كنيسة البشارة للاتين قدس الأب مروان دعدس في زمن الصوم الأربعيني

 صوم وصلاة وصدقة

رسالة راعي كنيسة البشارة للاتين قدس الأب مروان دعدس في زمن الصوم الأربعيني


إخوتي وأخواتي أبناء الرعية الأعزاء

مع بدء زمن الصوم الكبير اقدم اليكم أجمل التهاني وأحرها لزمنٍ فيهِ تجديد ونُهوض نحوَ المسيح القائم من بين الأموات، ونحو تأكيد خلاصنا في صليبه المقدس، فنحن معشر المؤمنين المُعمدين وبفضل قوة المسيح الفادي، لدينا أكيدية الحياة الأبدية التي دفع عربونها عنا يسوع المسيح ذاته بآلامه وصليبه وقيامته المقدسة، ولكن بقي علينا نحن الذين ندعى بالكنيسة المجاهدة بأن نؤمن ونتعظ بيسوع المسيح مخلصنا وأن نسير في درب انجيله المقدس لننال به الخلاص الأبدي والراحة مع كنيسته المنتصرة.
وزمن الصوم هذا انما هو لفرصةٌ عظيمة لنا لنجدد به التزامنا مع مخلصنا نحو فرحنا الأبدي، وهنا أضع بين ايديكم الطريقة التي أعتقد انها الأجمل للتقرب من كلمة الله والتي هي بمثابة عمل تطبيقي لحياةٍ انجيليةٍ أعمق الا وهي الصوم والصلاة والصدقة.

الصوم

إن يسوع المسيح ذاته وتحضيراً لرسالتِهِ العلانية قام بفعلِ الصومِ في صحراء يهوذا مانعاً نفسه عن الطعام كاملةً، وذلك ليعطينا المثل لنحتذي بهِ، وفي عدة مناسبات مختلفة دعانا في كلامه المُقدس لكي نُحتذى بمثله: الا تذكرون حينما تذمر تلاميذه على عدم قدرتهم في طرد الأرواح الشريرة وحينما قال لهم أن تلك الأرواح تطرد فقط في الصلاة والصوم ؟ "هذا الجنس من الشيطان لا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت ١٧ : ٢١)
فالصوم يا إخوتي له مفاعيل كثيرة، أولاً يُهَذّب الجسد أي يجعله يدرك أنه عليه أن يتنازل عن الخطيئة وأن لا يتبعها بل وجب عليه أن يسير بإتجاه الفضيلة. ثانياً يعطي وحدة أكبر ما بين الروح والجسد، فالجسد ضعيف بالرغم من أن الروح تبحث دائماً عن خالقها. ثالثاً يقرب الإنسان أكثر فأكثر نحو مشيئة الله حيث أنه يكمُن في الصوم ذاته الرغبة في الوصول الى إدراك مشيئة الله في حياة كل شخصٍ منا على مستوى شخصي، وعلى مستوى كنسي. رابعاً، في الصوم ايضاً إدراكاً لما هو مهم في الحياة وما هو ثانوي فبالإستغناء عن كثير من المأكولات ندرك بأننا نستطيع البُعد والتنازل عنها بقرار شخصي منا، وندرك فعلاً ما هو المُهم وما هو الأقل أهمية، وما هو الثانوي وما يمكن ايضاً الإستغناء عنه كاملةً. خامساً، على المستوى الجسدي، فالصوم ينقي الجسد ويجدده ويساعد على إخراج السموم منه.
وهنا وَجَب علينا أن نميز ما بين الإنقطاع والصوم، فالصوم هو عدم الأكلِ بَتاتاً لمدة ساعاتٍ محددة خلال النهار، يُمكن لنا فقط شرب الماء، فالماء لا يكسرُ الصيام. أما الانقطاع فهو عبارة عن الإبتعاد عن بعض الأطعمة لمدة زمنية معينة، والكنيسة تنصح بالصوم والإنقطاع عن اللحوم أيام الأربعاء والجمعة، ولنا الحرية الكاملة في إختيار امور أخرى من الأطعمة لننقطع عنها خلال الزمن الأربعيني المقدس، ولا ننسى إخوتي أن ننقطع عن اعمال الشر وخطيئة اللسان في النميمة وإتهام الآخرين والحكم عليهم، وعن مسببات الشهوات الجسدية المتعددة وغيرها من الاعمال التي تقودنا الى الرذيلة والخطيئة.

الصلاة

كيف لا وهي مفتاح الكلام مع الله ذاته وهي جسر الحوار الذي من خلاله نصل الى العيش في مشيئة الله، فهو يكلمنا ويخاطبنا بعدة أشكال، في الطبيعة وفي الأحداث الزمنية وفي الأشخاص الذين يقتنون من حولنا، ولكنه يخاطبنا وبشكل خاص بكلمته من خلال الانجيل، وعندما اوصّى يسوع الصوم والصلاة فعلها كي ندرك اننا في صومنا محتاجين أشد الحاجة الى القوة والعون.
وهذه القوة لا تأتينا من البشر، ولا حتى من أفكار باطنية شخصية مبنية فقط على علمنا وتجارب حياتنا، إنما هي تأتينا من كلمة الله المتأملُ بها في كتابه المقدس، فالقوة والصبر على الصوم والوحدة مع الله في حياتنا اليومية والبحث عن مشيئتهِ لمخطط حياتنا الشخصي والكنسي إنما تكمن في الصلاة وفي الحديث مع الله ذاته.
فبالتالي ربط حياة صومنا مع صلاتنا إنما هي الوسيلة الأنجع لإتحادنا مع مشيئة الله ولكي نعطي ثمرا لكل تضحياتنا في هذا الزمن المقدس.

الصدقة

هي إحدى ثمار الصوم والصلاة، لكنها ليست بالثمرة الوحيدة، فالثمار الاولى يقطفها المؤمن لذاته ولأجله ولأجل خلاص نفسه، ولكننا كمسيحيين حقيقيين متمثلين بيسوع المسيح نفسه مخلصنا يجب علينا أن نكون مثل المرآة نكسب النور ولكن لا نبقيه بل نعكسه للقريب كي يستفيد ايضاً من أشعته، فأحد ثمار الصوم والصلاة هي الصدقة ومساعدة من هو بحاجة الى مساعدة، فالصدقة يمكن لها أن تكون على شكل مادي، أي ما يتم توفيره مما قد صُمنا عنه من اطعمة مختلفة، فتُجمَع الماديات وتُعطى لمَن هُو مُحتاج أكثر منا، ويمكن للصدقة أن تكون بأشكالٍ متعددة أخرى، فالمحتاج هو ليس فقط بالمحتاج المادي إنما كثيراً من الأحيان الاحتياجات تفوق المادة، وكثيرا أكثر، المادة تكون متوفرة بشكل فوري ووفير، لكن الإحتياج أعمق منها، وهنا اقصد الاحتياجات النفسية والمعنوية بإتجاه القريب، فكم من محزون يحتاج الى العزاء، وكم من وحيد يحتاج الى الرّفقة، وكم من مُهمَل يحتاج الى العناية، وكم مِن مَن يفتقرون بالشعورِ الى الإنتماء لمجموعة من الناس ويحتاجون الى المساندة والدعم.
فالصدقة ايضاً يا إخوتي هي تلبية إحتياجات القريب في نفسه وفي شخصه وفي معنوياته الإنسانية، والصوم والصلاة هما أدوات تساعدنا كي نفتح أعيننا وكي ندرك بعمق أكبر احتياجات القريب وكيفية مساعدته.

في الختام ايها الأخوة والأخوات الأعزاء أسأل الله عز وجل أن يعطينا قوة البحث عنهُ في الصوم والصلاة والصدقة، وأن يعطينا العيش في هذا الزمن الليتورجي الكبير بكل محبة كي نصل سويةً الى الزمن الفصحي العظيم.

رموز كنسية انما تحملنا نحو الأمل الأبدي والعيش مع يسوع المسيح القائم من الأموات والصاعد الى السماء فصحنا الدائم.

صلاتي معكم ولأجلكم طالباً صلاتكم معي ولأجلي.

كيفية الوصول

إتصل بنا

الناصرة، النمساوي شارع 720 - صندوق بريد 125

+972-(0)4-6123456

+972-(0)4-6123457